الرئيسية

ريف دمشق

هكذا هزمتْ اليأس

العظماء ليس شرطاً أن يكونوا ممن رست سفن التاريخ على موانئ حياتهم ذات يوم، بل كل إنسان حارب اليأس والفشل وسجل أسطورة نجاحه بكل إرادة وتصميم حريٌ به أن يكون عظيماً وإن كان إنساناً بسيطاً في نظر الآخرين.


هذه قصة زنبقة صغيرة نمت وأينعت في الجمعية السورية للتنمية الاجتماعية متمثلة بمركز دفا في السيدة زينب.
ز. س. ز طالبة من طلاب الثالث الثانوي التي توقظ فيك الأمل الذي يجعلك تؤمن تماماً أن الإنسان الناجح لا يستسلم أبداً لأعاصير اليأس والفشل.


بدأت حكايتها من منطقتها التي كانت تقطن فيها والتي بقيت تحت الحصار لعدّة أعوام، فمع قلة الموارد والمال كان والدها له وضعه الخاص فهو من ذوي الاحتياجات الخاصة ،وبحاجة لرعاية خاصة، ومستلزمات صحية أخرى.


مع الأسف لم يتوفر لهم شيء من ذلك، إلى أن سنحت الفرصة للخروج من تلك المنطقة، ولكن لم تكن ظروف التهجير أقل قسوة من الحصار.
كل ذلك جعل من ز. س. ز فتاة حزينة يائسة لا تكاد هي وعائلتها يملكون قوت يومهم، ولكنها تطمح أن تكمل تعليمها لمساعدة والدها وعائلتها.
ولكن الفقر الشديد وارتفاع أجور الدورات التعليمية الخاصة كان عائقاً يقف أمامها، إلى أن سمعت من سكان الحي عن مركز دفا الذي ترعاه الجمعية السورية للتنمية الاجتماعية.


فما كان منها إلا أن سارعت بالقدوم، فاحتضنها الكادر التعليمي بكل قوته، وساعدها بكل الوسائل المتوفرة والأساليب التعليمية وعملوا جاهدين على ترميم الثغرات التعليمية لديها، إضافة لتزويدها بالقرطاسية واللوازم المدرسية لمتابعة تحصيلها العلمي.


وفي نهاية العام الدراسي أثلجت قلوب الجميع بنجاحها وتم تكريمها من المركز احتفالاً بها، وتركت لها بصمة في عقول وقلوب الجميع، حيث عبر والديها قائلين:" يعجز اللسان عن وصف هذه اللحظات، شعور النجاح لا يعادله شعور في الدنيا وكلمة "شكراً" أقل بكثير مما قدمتوه لابنتي"


فكانت كلما حملت كتاباً أزهرت لها الحياة، وأينع لها الوعي، وهكذا هزمت اليأس.

 

حققت حلمي

/ر ن /عمرها 17 عاماً، متسربة من المدرسة وتعمل مع والدتها لتعيل أسرتها، لأن والدها مقعد وعاجز عن العمل.
التحقت بمركز السلام التابع للجمعية ولمس الأخصائيين فيها ذكاءً وتصميماً لتكمل دراستها، وبناءً على ذلك تم تحويل الطفلة من إدارة حالة العنف، واقتُرِح عليها أن تداوم مع دورات التاسع، ناسبها دوام الدورات المسائي وقدم لها ما تحتاج من قرطاسية وكتب، وباشرت بالدوام مع دورات التعليم المتسارع في الفصل الأول والفصل الثاني، ثم تابعت في دورات ما قبل الامتحان.


/ر/ كانت قبل الالتزام بالأنشطة التعليمية فتاة منطوية وفاقدة للأمل، لذلك تم متابعتها مع إدارة حالة العنف، وتابع الأخصائيين التزامها.

 قدمت /ر/ أوراقها لوزارة التربية للتقدم لامتحان الشهادة الإعدادية، وتابعت دروسها بكل جد ونشاط.

 
اكتسبت إرادةً وتصميماً رغم كل الصعوبات التي تتعرض لها، وأصبح لديها زميلات يتناقشن ويتبادلن الأفكار حول الدراسة وأمور أخرى.

 وصلت /ر/ إلى الامتحان وقدمت أفضل ما عندها بكل ثقة، وانتظر الجميع صدور النتائج بفارغ الصبر، وعند صدور النتائج عمت الفرحة في المركز، فقد كانت من الناجحين وبعلامات ممتازة تؤهلها لمتابعة الثانوية العامة.

كانت فرحتها عظيمة، وعانقتنا ودموع الفرح في عينيها، وشكرتنا جميعاً على إيماننا بقدراتها وتشجيعنا لها.

 لم يخطر في بالها منذ أن تركت المدرسة، أن تتابع دراستها، بالنسبة لها كان حلماً صعب المنال، وها قد حققته.
راما الآن ملتزمة في دورات المركز حتى تتقدم لامتحان الثانوية الأدبي، وحلمها الجديد هو التخرج من الجامعة لتكون مدرّسةً وتساعد الفتيات الذين يعانون مثل ظروفها.

 

 

زهرة الأقحوان

لا تتحقق الأعمال بالتمنيات إنما بالإرادة تُصنع المعجزات. السيدة/ع/الآن تبلغ من العمر 18 سنة كانت زيارتها الأولى لمركز فرح المجتمعي لحضور حملة عن الزواج المبكر، طلبت خلالها المشورة والمساعدة، فتمت إحالتها لمدير الحالة.
تمت مقابلة السيدة من قبل مدير الحالة وكان وضعها النفسي سيئاً جداً، فاقدة للأمل بالحياة، وشكواها الأساسية زواجها بعمر مبكر (15 عاماً) خوفاً من فكرة العنوسة وتلبية للعادات والتقاليد في بيئتها التي تفرض الزواج بعمر صغير، وانتقالها إلى خارج القطر، بسبب ذلك حرمت من حقها في التعليم.

خلال المقابلة الأولى كان عمرها 17 سنة وعلامات الاكتئاب والعزلة والخوف واضحة عليها.
وبعد عدة جلسات تبين أنها كانت تتعرض لسوء المعاملة من زوجها من ضرب وإهانة، ثم أرسلها إلى سوريا بحجة زيارة أهلها لمدة شهر، لكنها اكتشفت عند محاولتها للعودة أنه قام بتخريجها من لبنان دون عودة، حاولت وأهلها التواصل معه فصرح بأنه لا يريدها وسيبحث عن شريكة جديدة.
كانت هذه الصدمة سبباً لاكتئابها وقلة ثقتها بنفسها، بالإضافة لمنعها من مغادرة المنزل من قبل والدها. طلبت السيدة الطلاق من زوجها ولكنه كان يرفض تهرباً من مسؤولياته المادية تجاهها.
استمر العمل مع الفتاة لعدة أشهر، وكانت البداية العمل على تعزيز ثقتها بنفسها والتقليل من شعور اللوم الذي كانت تشعر به، وتشجيعها للعودة للدراسة، ونجحنا بتغيير رأيها باستحالة ذلك لسيدة تزوجت وانفصلت، وبدأت تحدد أولوياتها، واقتنعت أن هذا من حقها وبأنها تستطيع أن تتعلم طالما لديها الرغبة والإرادة.

بداية الأمر رفض الأهل الفكرة لضعف القدرة المادية، ولقناعتهم أن الفتاة مصيرها الزواج، ورفض والدها خروجها من المنزل بمفردها، ولكن بعد عدة جلسات مع والدتها، قررت أن تدعم ابنتها التي ستكون في البرنامج التعليمي ضمن المركز بشكل مجاني، وتوصلها للمركز، وهكذا تمت إحالتها للبرنامج التعليمي.


في البداية، كانت السيدة خلال الجلسات التعليمية تجلس لوحدها ولاتكلم أحداً ولا تشارك أبداً، وعند سؤال والدتها أكدت أنها تفضل أن تكون وحيدة أيضاً في المنزل ولا تشاركهم الجلوس أو الطعام، وتبدي ردات فعل جارحة تسيء لعلاقتها مع العائلة، فتمت إحالتها للأخصائية النفسية.
التزمت الفتاة فعلاً بالجلسات مع الأخصائية، واستمر العمل معها عدة أشهر، شاركت خلالها بالعديد من الحملات والأنشطة في المركز، وأبدت تجاوباً كبيراً وأصبحت تشارك في الحملات بكل طلاقة وتخلصت من الحزن والبكاء الذين كانا يرافقانها بشكل دائم، وكونت العديد من الصداقات.

 وبناءً على ذلك كله تقدمت لامتحانات الشهادة الإعدادية ولديها أمل كبير في النجاح.

لاحظت الأم التغيير الذي أصاب ابنتها وتحسن علاقتها معها ومع أخواتها، وبدأت تشاركهم الحياة وتساعد أمها وتحادثها بعد أن كانت كما وصفتها أمها بأنها غامضة جدا.
خلال المتابعات كانت السيدة على تواصل مع زوجها لتتحاشى فكرة الطلاق، ووافق أهلها أيضاً، بسبب نظرة المجتمع للسيدة المطلقة، ولكن زوجها أكد رفضه لها، وفي آخر مكالمة بينهما وبوجود أهلها قام برمي يمين الطلاق شفهيا وبعد رفضه القيام بإجراءات الطلاق، قررت السيدة وأهلها رفع دعوى تفريق في المحكمة، وتمت إحالة الفتاة إلى الخدمة القانونية لاستكمال الإجراءات، وأبدت السيدة رغبتها وانتظارها للحصول على الطلاق الذي سيعطيها فرصة انطلاق لحياة جديدة وعبرت بقولها:
"بعد أن كنتُ زهرة ذابلة، أزهرتُ من جديد وعاد لي لوني وأملي بالحياة، رأيت أن الحياة جميلة ولا تتوقف على غياب شخص، أنا أملك الكثير من الجوانب المشرقة في حياتي، وأهمها عودتي للدراسة لأحقق ذاتي من جديد، أنا الآن قوية بما قدمتموه لي ضمن مركزكم، وسأنطلق للحياة من جديد".

 

Subscribe to ريف دمشق