الرئيسية

هلأ اكتملت قصة نجاحي

ع/ث شاب في السابعة عشر من عمره، من أسرة مهجرة متوسطة الحال. "فاشل"، كلمةٌ لازَمَت جُمَلَه كلما تحدث عن تجربة رسوبه بالصف التاسع، وبالتالي تسربه، وصولاً إلى معهد خالد بن الوليد للأحداث "الجانحين".

ونزولاً عند رغبة الأهل، انضم للمدرسة ضمن المعهد ليتابع دراسته.

كثيرة هي الأيام التي تغيب فيها عن المدرسة، وكثيرة هي شكاوي المدرسين إن حضر. وعند سؤاله عن سبب تغيبه وعدم انضباطه، يكون جوابه "أنا فاشل وهذا رأي أبي وأمي بي، ولا أعرف لماذا يرغبون الآن بعودتي إلى دراستي".

  التقيت به لأول مرة بعد أن تم توقيفه بجنحة تعاطي المخدرات وترويجها وأثناء لقائنا روى لي تفاصيل قصته وسبب تسربه من المدرسة قائلاً:

في طفولتي أصبت بمرض السرطان في عيني مما اضطر الأطباء إلى استئصال العين. ونظرا لسوء اوضاع أهلي المادية لم أتمكن من تركيب عين اصطناعية تجميلية بديلة. وكلما تقدم بي العمر ازداد شعوري بالإحراج. وصرت أطيل شعري لأخفي به وجهي. ومع بداية العام الدراسي في الصف التاسع طلبت مني مديرة المدرسة قص شعري غير مكترثة بأسبابي. حتى جاء اليوم الذي قرَّرَت فيه وضع حد لعدم التزامي وتنفيذي لطلبها وقامت بفصلي. وكان شرط عودتي قص شعري. فقررت عدم العودة ومتابعة دراستي بعيداً، لأثبت لها أنني لست بحاجه لمدرستها وقوانينها.

وللمرة الثانية، ونظرا لسوء اوضاع أهلي المادية، لم أستطع التسجيل بمعهد خاص، فقررت متابعة دراستي لوحدي بالمنزل. ولكن الأمر كان مستحيلاً، فكان الرسوب حليفي. وتلقيت من أهلي اللوم لانقطاعي عن المدرسة وأكثر ما سمعته منهم كلمة فاشل. كثُرَ تغيّبي عن المنزل هربا من كلمة فاشل. وتعرفت على أصدقاء استمعوا لي كثيرا وايدوا موقفي وشجعوني، وقالوا أن الدراسة ليست هي النجاح الوحيد بالحياة بل هي وسيلة لجلب المال. وهناك وسائل أخرى لكسب المال واثبات أنك ناجح.

نصحوني بالبحث عن عمل لأثبت للجميع أنني لست فاشلاً، وفعلا هي أيام ووجدت عملاً في فرن الخبز في حَيّنا. وبدأت أكسب المال، لكن نظرتي لنفسي لم تختلف، فما زلت ذلك الفاشل وما زلت أرى هذه الكلمة في نظرات أهلي، وبات الحزن صديقي. ومع الأيام أصبحت وصاحب الفرن صديقين مقربين. أخبرته قصتي، فكان جوابه أن الحياة بدون حبة لا تعاش. وأعطاني حبة وفعلا قمت بتجربتها، فأعجبني ما تقوم به من تخدير للشعور وتخفيف الإحساس بالألم النفسي الذي ارهقني. ومنذ تلك اللحظة وأنا أتناول الحبوب المخدرة بشكل مستمر لأني أريد الهروب من نفسي وواقعي المؤلم. وهذا الأمر تطلب المزيد والمزيد من المال. فقررت العمل بترويج الحبوب وبيعها. ومع أول يوم عمل لي كتاجر قُبِض علي، وأنا اليوم في معهد خالد بن الوليد وأهلي يرغبون بعودتي للمدرسة أما أنا فانتظر لحظة خروجي لأعود لعملي في ترويج الحبوب وهذا هدفي وحلمي، وسأجمع مالاً كثيراً وأثبت للعالم ولأهلي أنني لست بفاشل.

,وهنا بدأت حكايتنا مع ع/ث

- بس تركت المدرسة لاحظت من كلامك أنك كنت مصمم تكمل دراستك ليه، بس لتثبت للمديرة  أنك مو فاشل .

 -بحاجة المدرسة

 -لا

 -شو كان حلمك؟

 -كنت بدي صير إعلامي كبير ومشهور كنت بدي غير العالم بكلماتي كنت بدي اعمل أشياء كثيرة ......

 -لو تسمع حالك وانت عم تحكي؟

-شو يعني آنسة؟

-أنت عم تحكي بكل حب وشغف وحماس

 -كان حلمي

-خلينا نجرب نحققه

-أنا فاشل

 -أنت شخص مثل كل الناس، تعرضت لظروف صعبة شوي، وهلأ تجاوزت هي الظروف ولازم تبدأ من جديد

 

 -يعني أنا مو فاشل ؟

 -لا

 -بقدر؟

 -القرار الك

-بقدر

 

وبالتعاون مع الكادر التدريسي اتفقنا على هدف واحد وهو تشجيعه لمتابعة دراسته. وكانت إجابة على سؤال واحد فقط بشكل صحيح كافية لإخبار الجميع بالتقدم الذي يحرزه بدراسته، وعلى مسمع منه، فاجتهد وثابر والتزم. وبقيت أمامنا صعوبة فقد تكررت ملاحظة آثار جانبية عليه تشير لدخوله ع الصف تحت تأثير مادة ما وكثيرا ما تحدث لأصدقائه عن تأثير مادة الحشيش في تحسين الذاكرة والمساعدة على الدراسة والتركيز فكان الكلام معه بشكل واضح ومباشر وطلبت منه عدم دخول المدرسة وهو تحت تأثير مادة وتكررت الملاحظة دون فائدة فقررت وضع عبدو بنفس الظروف التي مر بها سابقا ولكن هذه المرة بشكل مدروس ومتابع من قبل قسم الدعم النفسي فتم فصله من المدرسة لعدم التزامه بقواعد المدرسة وأنا مدركة تماما لأهمية المدرسة له الآن ، فبدأ بإرسال كل من يعرف برسائل مختلفة بدأت بكلمة وبالناقص من المدرسة مرورا بوعود مختلفة بالالتزام وانتهت بالبكاء

- لما البكاء الآن؟

- ما خليت حدا وما بعتوا واسطة وانت ما عم توافقي

- باقي شخص وكان ممكن وافق معه بعد مناقشته

- مين؟

- انت

-بالمرة الأولى وليس دفاعا عن موقف المديرة ولكن أظن أنها كانت تريد أنت تقول لك كن واثقا بنفسك أكثر ولكن الرسالة لم تصل بشكل صحيح فردة الفعل كانت غير صحيحة أيضا.

وللمرة الثانية أقول لك كن واثقا بنفس وقدراتك وتغلب على نفسك لتصل لحلمك ....

وبعد حوار دام لأكثر من ساعتين عاد للمدرسة، وتقدم للامتحان، وكان النجاح حليفه.

في ذلك اليوم راح يركض في المعهد بجنون ويقول أنا نجحت أنا مو فاشل وراح يسلم ويقبل جميع نزلاء معهد خالد بن الوليد.

وتقدم مني على عجل قائلا:

-أريد كتب البكالوريا

- تمهل

-أريد كتب البكالوريا

 -عليك اولا التقدم للامتحان الترشيحي

- اشرحي لي أكثر

- تمهل

 -أريد كتب البكالوريا، أريد أن ينام حلمي إلى جانبي هذه الليلة،... آسف يا آنسة نسيت أقولك:" شكرا. شكرا يا أحلى جمعية وأحلى فريق شكرا كتير آنسة. طعم النجاح حلو، بدي نجاح أكبر وأكبر، بدي صير إعلامي كبير".

وماهي إلا أيام قليلة حتى تم إخلاء سبيله.

لكن متابعتنا له لم تنتهِ. فتم تزويده بالمستلزمات الدراسية بشكل كامل. وكنا على تواصل دائم معه، ليطلعنا على علاماته ورأي المدرسين فيه. تقدم للامتحان الترشيحي ونجح. وتابع دراسته وكان مثابراً ومجتهداً.

وفي اليوم الأول للدورة الشتوية بمعهد خالد بن الوليد طلبت منه الحضور، كقدوة لغيره، وإلقاء كلمة، فتحدث بكثير من الحب والامتنان وردد لعدة مرات: "الفشل هو أن تستسلم. لا تستسلموا. أنا عملتها وأنتوا بتقدروا تعملوها. النجاح حلو".

واليوم صدرت نتائج البكالوريا، فتلقيت اتصالاً منه ومن أهله ليخبرني بنجاحه قائلا:" هلأ اكتملت قصة نجاحي شكرا للجمعية شكرا الظروف يلي جمعتني فيكم احلى فريق لم ولن أنسى أنكم أصحاب الفضل الحقيقين بعد رب العالميّن".