الرئيسية

بالأمل أعمّر بيتاً لا يتهدّم

حسن الّذي يبلغ من العمر 15 عاماً، فقد والدَيه، وتهجّر من بيتِه، من الحضنِ الّذي حملهُ، بل ومن حلب، مدينته الّتي ولدَ وعاشَ طفولته وحياته فيها، ولأنَّ الحرب لا ترحمُ أحداً نزحَ برفقة إخوته الصّغار ومع أخيه الكبير وزوجِه وأبنائه إلى ضواحي دمشق، ليسكنوا جميعاً في إحدى شركات منطقة عدرة الصّناعيّة.
وصل حسن إلى دمشق بلا أمل، بلا أبوين، وبلا قدرةٍ على متابعة الدّراسة، إذ لا أوراق ثبوتيّة لديه. توجّب أيضاً عليه مساعدة أخيه الكبير في إعالة الأسرة تحت وطأة الظّروف المعيشيّة الصّعبة، وغلاء الأسعار.
اضطرّ حسن للعملِ أجيراً لدى ميكانيكيّ سيّارات، في بيئةِ عملٍ تحمل الكثير من المخاطر على يافعٍ مثله، وعندما تعرّف على مركز فرح المجتمعيّ، من خلال أنشطة ملفّ حماية الطّفولة، لجأ إلى المركز حيثُ وجدَ الآذان الصّاغية والقلوب المفتوحة.
التقت مديرة حالة حماية الطّفل بحسن، وبعد عدّة جلسات نمت الثّقة بين الطّرفين. وحكى حسنُ عن وضعه في العمل قائلاً:
" أنا بتعرّض للعنف، للضّرب وللحكي المؤذي والإهانة من صاحب المحل يلي بشتغل فيه، بس ما بقدر إترك الشغل لأني بحاجة المصاري لعيش مرتاح أنا وإخواتي الصغار".
وضعت مديرة الحالة خطّة التّدخل المناسبة بالاشتراك مع حسن، وبناءً عليها أحالتهُ وعائلته إلى البرنامج القانونيّ في الأمانة السّوريّة للتّنمية للحصول على بدل ضائع لدفتر العائلة، وعلى أوراق ثبوتيّة. كما أحالته إلى برنامج صديق، وحملات حماية الطّفل. وبناءً على رغبته الكبيرةٍ في متابعة الدّراسة وغياب الوقت اللازم لتحصيل حقّه في التّعليم، أحالته أيضاً إلى جلسات التّعويض المنهجي ضمن البرنامج التّعليمي في المركز.
وأثناء ذلك كلّه تابعت مديرة الحالة تحسّن وضع حسن، والتقت بأخيه الكبير للمساهمة في إيجاد حلولٍ لمشكلة العمل وغيرها.
بعد مدّةٍ من العمل الدؤوب لتلبية احتياجات حسن، والسّعي المدروس للحدّ من المخاطر الّتي يتعرّض لها، وبعد مدّةٍ من اندماجه في البرامج، الجلسات والأنشطة الّتي أُحيل إليها، تغيّرت حياة حسن نحو الأفضل، صارت الابتسامةُ على وجههِ أصفى، والأملُ في سلوكه وكلماته أوضح.
امتلك حسن أوراقاً ثبوتيّة، صار لديه أصدقاءُ، لم يعد يعاني من مخاطر العمل في محلّ الميكانيك، إذ انتقل إلى العمل في صالون حلاقة رجّاليّ، حيث بيئة العمل أقلّ خطورة على صحّته ونموّه الجسدي والنّفسيّ، صار مستوى حسن الدّراسيّ أفضل، وقد عبّر عن كلّ ذلك قائلاً:
" أنا اليوم لقيت حالي وصرت عارف منيح شو لازم إعمل وكيف لازم كمّل حياتي، أنا عم إدرس هلق ورح قدّم على فحص التّاسع بآخر السنة، صار عندي رفقات وعم إشتغل شغل منيح ومناسب وعم إتعلم منه مهنة إقدر طالع منها مصروفي ومصروف إخواتي"
لم يسترجع حسن بيته، لكنّ الجمعيّة ساعدته ليسترجع حقّ التّعلم والمشاركة، الكرامة، والأمل، وبها يمكنه يوماً ما أن يعمّر بيتاً لا يتهدّم.