الرئيسية

عم أبدأ من جديد

السيدة ثراء (والتي تكره مناداتها بهذا الاسم)، تبلغ من العمر 38 سنة، من محافظة الحسكة مدينة القامشلي.
كانت بداية القصة عندما تعرّفت حزنه على مركز السلام المجتمعي عن طريق إحدى المستفيدات في اللجنة النسائية والتي رأت ضرورة مد يد العون للسيدة حزنه لمساعدتها في تخفيف التوتر الذي تعاني منه وتفريغ الضغوطات التي تعاني منها.
نشأت ثراء في أسرة متوسطة الحال. كان الهم الأكبر للأب والأم هو تعليم أطفالهم وتأمين مستلزماتهم. تعلمت من والدها الإصرار والقوة وتحدي الصعاب.
تابعت تعليمها رغم الظروف المادية الصعبة للعائلة وتخرجت من المعهد المصرفي /اختصاص محاسبة بدرجة امتياز وبمعدل 86%.
عملت كمحاسبة في معمل لألبسة الأطفال واستمرت لمدة خمس سنوات حيث تصف هذه المرحلة بأنها فترة ازدهار لها وخروجها للعالم كامرأة قوية عصامية نشيطة، قادرة على العمل وسط مجتمع ذكوري، والتواصل مع العمال في مصنع كبير، تنال إعجاب وتقدير كل من عرفها.
تقول السيدة تعرفت على زوجي الذي كان أيضاً محاسباً في المعمل وتزوجت بعمر 25 سنة. وبعد زواجنا وضعني زوجي بين خيار المنزل والعائلة أو العمل وكان هذا الموضوع سببا في نشوب خلاف كبير بيننا. فهذا العمل الذي أحب وأتمناه طيلة حياتي، ومن خلاله خرجت للعالم بقوة، وتلك أسرتي التي أحب وأرعاها بكل ما أملك من قدرة.
في نهاية الأمر رضخت لأمر زوجي وإلحاحه كي أترك العمل. وبدأت حياتي المملة والباردة، فأنا شخص حيوي مفعم بالنشاط والآن أصبحت مثل المياه الراكدة في قاع البحر.
وفي أحد الأيام وبعد جلسة توعية تتحدث عن عنف الشريك الحميم طلبت السيدة ثراء الجلوس معي. وفور دخولنا إلى الغرفة بدأت بالبكاء الشديد. حاولت تهدئتها والتخفيف من توترها. بدأت السيدة بالحديث عن الممارسات الخاطئة من قبل زوجها وتجاهله لرغبتها في الاستمرار بعملها وعدم تقديره لأي عمل تقوم به، وتحطيم معنوياتها كلما حاولت النهوض من جديد أوتعلم شيء جديد. دائماً يقول لها أنها فاشلة بأي عمل تقوم به، ويحاول توجيه الملاحظات والنقد اللاذع لها.
واستطاعت السيدة من الجلسة الأولى تحديد مشكلتها الأساسية في أسلوب تعامل زوجها السيء وعدم تقديره لها ومحاولته إضعاف قدراتها كي لا تفكر بالعودة للعمل مجدداً.
بدأت مع السيدة من خلال جلسات فردية. تم الاتفاق معها على خطة التدخل التي تتضمن إشراكها في برامج المركز وحضور جلسات التوعية وتحويلها إلى برنامج التدريب المهني.
كما شاركت السيدة في التحضير لفعالية 16يوم لمناهضة العنف ضد المرأة، من خلال رسم لوحات عبرت من خلالها عن المرأة ونظرتها لها، فقد كانت تحب الرسم كثيراً، لكنها بحسب تعبيرها "منذ زواجي لم أمسك قلم وأرسم لو حتى وردة"
أرادت ثراء تطوير مهاراتها وتعلم كل شيء جديد، وأن تثبت لزوجها أنها قادرة على النجاح.
وعند بدء برنامج التدريب المهني تم تحويل السيدة إلى دورة تعليم الخياطة والتطريز، فشاركت في الدورة التدريبية وبرعت بها.
تغير حالها واستطاعت إعادة بناء شخصيتها، وإثبات قدراتها وموهبتها أمام المحيط بشكل عام، وزوجها بشكل خاص.
وجاءتها فرصة مناسبة عندما تعرضت عائلتها لضيقة مالية، فاقترحت على زوجها البدء بمشروع صغير، وهو عبارة عن محل لبيع الملابس الجاهزة. بداية، تردد الزوج بالموافقة على اقتراحها على اعتبار أنها امرأة وبرأيه هي غير قادرة على اتخاذ قرار مصيري يخص العائلة، وكيف ستعمل في محل ضمن وسط مجتمع ذكوري لا يقبل بذلك.
وبعد جهد وعناء طويل، والعمل معها لتعزيز أساليب التواصل مع الزوج، اقتنع زوجها بالفكرة وبدأوا مشروعهما الصغير بفتح محل للألبسة الجاهزة.
بدأت ثراء بإدارة المحل، وعادت للعمل مجدداً. كان لنجاحها وإتقانها للعمل أثر إيجابي في تغيير معاملة زوجها لها فأصبح يعزز من قدراتها ويوجه لها كلمات الشكر والامتنان على وقوفها بجانبه ومساعدته في هذه الضائقة التي كان يمرّ بها وكيف استطاعت إدارة المحل بنفسها وتنسيق الأعمال. وبدأ بمساعدتها في بعض الأعمال المنزلية.
عبرت ثراء عن فرحتها بالنتيجة التي وصلت إليها وعودتها للعمل من جديد. كما أرادت أن تختم مرحلة التغيير في حياتها بتغيير اسمها فرفعت دعوى تصحيح اسم من أجل ذلك، والأن أصبح اسمها حسناء.

وهكذا نحجت خطة التدخل التي تم الاتفاق عليها مع السيدة، وذلك بفضل إصرارها على النجاح وإرادتها القوية على إثبات ذاتها من جديد.