الرئيسية

أمي يا ملاكي

سلوى طفلة تبلغ من العمر ثمانية سنوات تعاني من متلازمة دوان مترافقة بفرط النشاط، تعيش سلوى مع عائلتها في منطقة "توينة " في محافظة الحسكة، والمكونة من والدها الذي يعمل موظف حكومي ووالدتها وأشقائها الذكور وشقيقاتها الإناث التسعة ومعظمهن متزوجات.

خلال الحرب التي شهدتها البلاد، مرت سلوى وعائلتها بظروف صعبة، فقد توفي شقيقها الأكبر، كما تعرض منزل شقيقها الأخر لتفجير عنيف ألحق به ضرراً كبيراً، فاضطر للإقامة معهم في نفس المنزل البسيط والصغير الحجم، الأمر الذي زاد من الضغوط على كاهل الأبوين وخاصة الأم.

تعرفت سلوى على الجمعية السورية للتنمية الاجتماعية عن طريق فريق الوصول التابع لمركز بيت الكل في الحسكة، الذي رصد حالتها وطلب من ذويها أن يحضروها إلى المركز.

وفعلاً بعد فترة وجيزة حضرت سلوى برفقة والدتها إلى المركز، وهناك تم عرض حالتها على مسؤولة ملف التأهيل المنزلي للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.

خلال الاستشارات الطبية والعصبية التي لجأ لها الفريق، تبين بأن سلوى تعاني من صعوبة في النطق إلى جانب إصابتها بملازمة دوان، فكان من الضروري إخضاعها لجلسات منتظمة لتحسين النطق عند أطباء مختصين.

خلال العمل مع سلوى قامت مسؤولة الملف بإشراكها ببعض الأنشطة الدامجة والجماعية مع أقرانها من الأطفال لتحفيزها على التواصل.

 كما حضرت سلوى جلسات "البورتيج" الفردية التي تفتح أمامها القنوات للتعبير عن مكنونات نفسها وما تشعر به في داخلها، واكتساب المهارات التي تساعد على تلبية احتياجاتها (الاستقلالية، الاعتماد على الذات، تنمية الحواس، التعبير الانفعالي وغيرها).

أثناء تواجد سلوى في المركز تعرفت والدتها على برنامج "اسمع قلبي" وتشجعت للمشاركة فيه بعد ما سمعت عنه من السيدات المتواجدات في المركز.

 شاركت والدة سلوى في برنامج "المهارات الوالدية" والذي كان النقطة المفصلية بحياة الطفلة سلوى.

فقد استطاعت الأم الاختلاط مع أمهات يشاركنها الظروف والحالة النفسية إلى حد كبير، الأمر الذي ساهم في ازدياد ثقتها بنفسها، وتنامي قدرتها على التعبير عن مشاكلها والصعوبات التي تواجهها.

كما عمدت أخصائية الملف على بناء جسور ثقة متبادلة مع والدة سلوى لضمان استمرارية التقدم ولإدراكها بأن الطريق الأفضل للوصول إلى منطقة الوعي وحتى اللاشعوري لدى سلوى يمر عبر أمها.

وبناءً عليه خضعت الوالدة لجلسات تدريبة خاصة ومبسطة بهدف تعلم كيفية تطبيق البرنامج في المنزل لتعزيز ثقة الطفلة بنفسها.


 بعد الجلسات التي حضرتها الوالدة باتت تشعر بالمسؤولية بشكل متزايد تجاه سلوى، الأمر الذي قاد سلوى إلى أن تستشعر الأمان من حولها، ولم تعد تلجأ إلى البكاء للهروب من مواجهة الآخرين والتواصل معهم، بعد أن لاحظت المحبة الباديةً في عيونهم جميعاً تجاهها فهم ليسوا بعد الآن مصادر إزعاج ومضايقة بالنسبة لها.


اليوم سلوى تغنّي بعد أن كانت تعجز حتى عن نطق اسمها بصورةٍ سليمة.
تحكي للجميع عن حكاياتها الطريفة مع إخوتها الذين استفاد بعضهم أيضأً من خدمات الجانب التعليمي الذي يؤمّنه المركز في الوقت الذي كانت فيه سابقاً تتجنّب ذكر أسمائهم او حتى التطرّق إليهم بطريقةٍ أو بأخرى.

إنّها اليوم تبدي حماسةً كبيرة للمشاركة في النشاطات الجماعية، والوجود وسط التجمّعات والحشود وخاصةً من الأطفال، وهي التي كان الخجل والخوف يجعلانها عاجزةً حتى عن النظر في وجوه الآخرين.

سلوى "مرتبّة، مجتهدة، ونظيفة"... أيُّ أمٍّ لا تتمنّى سماع تلك الأوصاف عن ابنتها؟


لا شكّ أنّ وقع تلك الكلمات وبشكلٍ متكرّر على أذن أمها خلق بداخلها قوةً جعلتها تنتقل من مرحلة محاولة تقديم بعض المساعدات البدائية لطفلتها، إلى مستوىً راحت فيه تبحث وبشكلٍ جدّي عمّا يمكن أن يكون مُخبّأً داخلها من مواهب وطاقات، الأمر الذي امتد ليشمل كافة أفراد أسرة سلوى.