الرئيسية

عودة غودو

إن الموت ليس هو الخسارة الكبرى، الخسارة الأكبر هو ما يموت فينا ونحن أحياء" كلماتٌ قالها الماغوط ليعبر فيها عن وجعٍ أكبر من وجع الموت، ربما كان السيد (ع) من الذين لامستهم هذه الكلمات فكما أخبرنا أنه لا يؤلمه الموت بقدر ما يؤلمه ما أصابه فقد خسر عمله ومنزله، قال إنه في تلك الفترة ماتت كثير من الأشياء بداخله، اندفاعه وتفاؤله الدائم وابتسامته، لم يحزنه خروجه من المنزل بقدر ما أحزنه تركه لعمله.
إن السيد (ع) من سكان حي كرم الجبل، نزح عن حيه مع أسرته المكونة من خمسة أشخاص إضافةً إلى أسرتي أخويه اللذين ماتا بسبب الحرب. لم يبقى لدى السيد (ع) أي شيء، خرج من الحي بلباسه الذي يرتديه هو والعائلة هكذا قال. كذلك كانت الحرب سبباً في وفاة ابنه. وأثناء نزوحه تعرض لإصابة في قدمه مما جعله يجلس في المنزل. مرت السنوات، لم يرجع السيد (ع) إلى منزله إلا بعد خمسة أعوام. عاد إلى حيه، منزله، محله لم يجد شيء، فكما قال ليس هناك أثاث في البيت، أما محل القصابة الذي كان يعمل فيه فقد سرقت كل تجهيزاته لم يبقى شيء، كان فارغاً بشكلٍ كامل، فكما قال: " الله وكيلك حتى سكين ما لقيت بالمحل مااااضل شي".
فكانت المنحة الصغيرة المقدمة من الجمعية السورية للتنمية الاجتماعية في مركز شمس المجتمعي سبيلاً له لإعادة الوقوف على قدميه من جديد والعودة إلى العمل. حيث حصل السيد (ع) على التجهيزات اللازمة لإعادة الانطلاق من جديد (براد لحمة، وماكينة فرم، وميزان الكتروني، وطاولة ألمنيوم).
فقد تم ترشيح السيد (ع) للحصول على منحة صغيرة، بعد ذلك حضر مع مجموعة من المرشحين دورة تدريبية ومن ثم تم اختياره للحصول على المنحة.
بدأ السيد (ع) العمل بعد ثلاثة أيام من استلامه التجهيزات. أعرب خلال زيارته عن راحته الشديدة وعن تفاؤله بكل شيء، وأعتقد أن ما قاله معبراً عما حصل من تغيير في حياته: "قبل ما افتح المحل ماكنت نام كنت عطول قلقان، بتعرف انو هلق صاير عم نام". فقد أصبح يعمل من الصباح حتى المساء، لقد بدأت حياته تعود لطبيعتها بعيداً عن الحرب وما تركته من جروح تتعافى مع استمراره بالعمل. فقبل عودته للعمل كان يجلس في محله الفارغ يشرب الشاي وينتظر، لا يعرف ماذا ينتظر، ربما ينتظر غودو، عبر عن ذلك بلغته: " كنت عم أنطر فجل". ولقد ارتفع دخله إلى الثلاثين ألف ليرة في أول شهر عمل. ساعده ذلك على تأمين مزيد من الاحتياجات لأسرته وأسرة أخوييه. وجعله يشعر بالأمل فيما سيأتي من أيام، فلم يعد هناك خوف من المستقبل، ولم يعد هناك انتظار للمجهول، لقد ساهم ذلك في تحسن نفسي بدى واضحاً خلال زيارته، فهو يتوقع زيادة إيراداته من المحل في الأشهر القادمة وأن ذلك سيؤمن مزيد من الحياة الجيدة له ولأسرته.
وأيضاً لقد خدم الحي بمادة أساسية يحتاجها الناس بشكل مستمر، ووفر عليهم عناء الذهاب إلى طريق الباب للحصول عليها.
الآن يعيش السيد (ع) حياته تقريباً كما كانت قبل سبع سنوات فهو يمارس عمله كقصاب ولديه زبائنه ويشعر بالرضا عن نفسه لأنه أصبح منتِجاً وليس عبئاً. عاد الأمل إلى حياته.